لا تكتمل فرحة العيد في البيوت التشادية دون رائحة الكعك الساخن وأصوات الضحكات المتداخلة في الجلسات العائلية. لكن طقوساً قديمة بدأت تتغير، فـ »كعك جدتي » المصنوع يدوياً بأحضان الأسر يتراجع لصالح الحلويات الجاهزة، فيما تحاول الأسر التشادية الحفاظ على بهجة العيد رغم موجة الغلاء التي تضرب البلاد.
في أحياء أعالي العاصمة انجمينا، تتحول الأسواق قبل العيد إلى لوحة ملونة بجرادل الكعك المزينة بالسمسم والسكر، حيث تتصدر « الغريبة » و »البسكويت » قائمة المفضلات لدى الشباب.
لكن الأجيال الأكبر تتذكر أياماً كان « كعك الكاكي » التقليدي نجماً لليالي العيد، حين كانت العائلات تجتمع حول « الطاوة » (الصاج) واللمبة الضعيفة التي تعمل بالغاز، بينما توزع الأدوار: الأم تقلب العجين، والأطفال يلهون بقطع أشكال غريبة، والأب يسامر أبناءه أو يغفو وسط الدفء العائلي.
اليوم، أصبحت تلك الصورة جزءاً من الذاكرة، كما تقول سيدة: « الكاكي لم يعد مرغوباً حتى في القرى.. الشباب يفضلون الكعك المصنع بالمكائن ». هذه التحولات لم تقتل روح العيد، لكنها غيرت ملامحه، فلم تعد السهرات العائلية تمتد حتى الفجر لتحضير الكعك، بعد أن حلّت أكياس الحلويات الجاهزة محل الجهد الجماعي.
في كشك « الأمل للحلويات » وسط انجمينا، تشرح صاحبة المحل معاناة القطاع: « الغلاء طال كل شيء.. السكر، الدقيق، حتى دهن البقر « . الجردل الصغير الذي كان يُباع بـ2500 فرنك تشادي أصبح سعره أعلى، فيما تحاول البائعات الحفاظ على الجودة رغم ارتفاع التكاليف.
وراء كل هذه التحضيرات، يبقى العيد في تشاد مناسبة للتواصل الاجتماعي، كما يؤكد المواطن أبو طارق: « زوجتي تصنع الخبيز في البيت كعادة قديمة، لكن الأهم هو زيارة الأقارب وتقديم الكعك مع الشاي والتمر ». فالعيد هنا ليس مجرد حلوى، بل رسالة إخاء وتجديد للروابط الاجتماعية. رغم تغير الأدوات وغلاء الأسعار، تظل روح العيد التشادي عصية على التغيير: روح تُختزل في ضحكات الأطفال، وعبق الكعك الممزوج بحكايات الأجداد، وقدرة المجتمع على صنع البهجة حتى في أصعب الظروف. فهل تكفي الحلويات الجاهزة للحفاظ على هذه الروح عندما يختفي آخر من يحفظ سر « كعك جدتي »؟
حمزة آدم نور