: الاستفتاء الدستوري على دستور الجمهورية الخامسة لم يكن دستوريا بل كان استفتاء سياسيا.

في ديسمبر سنة 2023 أجرت الحكومة التشادية استفتاء دستوريا على مشروع دستوري جديد للبلاد، وذلك عقب فراغ دستوري عاشته الجمهورية بسبب فاة رئيسها بشكل مأساوي في ابريل 2021 .الاستفتاء الدستوري هو من أكثر الطرق ديمقراطية في وضع الدساتير؛ وذلك لأن الشعب هو من يختار دستوره بنفسه، ولهذا هو الأكثر شيوعيا ونجاحا في أغلب دول العالم، لكن الأمر دائما ما يكون مختلفا حين يتعلق الأمر بالدول النامية، وخاصة الدول الأفريقية.بحسب فقهاء القانون الدستوري أنه لكي يكون الاستفتاء الدستوري ديمقراطيا وليس سياسيا لا بد من توافر شروط أهمها: توفر مناخ للحرية في الاختيار وضمان النزاهة والشفافية. وأيضا امتلاك الشعب للوعي الكافي بقيمة الدستور وأخيرًا أن يكون الاستفتاء الدستوري يحمل مضامين دستورية وليست سياسية.

فهل توفرت هذه الشروط في الاستفتاء الدستوري التي أجرته الحكومة الانتقالية في نهايات 2023 ؟

أولا: الاستفتاء حمل مضامين سياسية.

حين اقترب موعد لاستفتاء واصلت الحكومة ممارسة التأثير الإعلامي والدعاية السياسية بقوة لدرجة أنها روجتْ بأن التصويت بنعم يعني اختيار وحدة تشاد كدولة وأن اختيار لا، تعني انفصال البلاد إلى جنوب وشمال. هذه كانت الدعاية التي لعبت بعقول العامة والكثير من التشاديين وأعلنوا أنهم سيصوتون بنعم لأنهم مع بقاء البلاد موحدة. لكن هذا مضمون سياسي لا علاقة له بمشروع الدستوري إطلاقا، فرغم مطالبة البعض أثناء الحوار الوطني الشامل بالنظام الفيدرالي إلا أن اللجنة التأسيسية التي وضعت مشروع الدستور لم تأخذ بهذه المطالبات، ما يعني أنه لا وجود لمادة في المشروع تتناول موضوع شكل الدولة ما إذا هي تظل بسيطة كما هي أو تتحول إلى دولة مركبة. فهنا مارست الحكومة تأثيرا اعلاميا عبر ملصقات وبروبوغاندا قوية جدًا لنقاش قضايا سياسية لا علاقة بمضمون المشروع الذي سيجرى عليه الاستفتاء.

ماذا عن كفاءة اللجنة التي وضعت المشروع.؟

في حالات الاستفتاء فضل الفقهاء نهج اختيار لجنة منتخبة لكن الحكومة هي من اختارت أسماء معنية لتكون في اللجنة، ورغم قانونية خيار الحكومة إلا أنه يشترط في أعضاء هذه الهيئة أن يكونوا من ذوي الاختصاص، بمعنى متخصصين في القانون وبالتحديد في القانون الدستوري. لكن ما حصل أن الحكومة استبعدت رجال القانون وأدخلت في اللجنة أسماء لا علاقة لها بالقانون بتاتا، بل أغلبهم من الذين لا يفقهون شيئا في القانون الدستوري. ماذا عن وعي الشعب؟ يحتاج الاستفتاء الدستوري إلى شعب يملك وعيا دستوريا كافيا وفهما يجعله يعرف ما يختاره ويرفض ما لا يريده وهو شيء غير متوفر في إفريقيا، ولذا تم التصويت على كل الاستفتاءات في إفريقيا بنعم وبأغلبية ساحقة. بينما التاريخ يخبرنا أن الشعب الفرنسي رفض التصويت على مشروع دستوري في مايو 1948 مما دفع الحكومة إلى إعداد مشروع جديد. ففي تشاد التي يبلغ فيها نسبة الأمية 73% بحسب وزارة التربية الوطنية، لا يملك هذا الشعب وعيا كافيا ليختار ما يناسبه.

ماذا عن الحرية في الاختيار ؟

مارست الحكومة ضغطا إعلاميا هائلا لدفع الناس إلى التصويت بنعم، فالشوارع امتلئت بالملصقات ولوحات الاعلانات التي تقول  » اختيارك لنعم يعني اختيار للسلام  » وكأن اختيار لا تعني الذهاب إلى حرب. بعض كبار السن في الأحياء أخبروا بأنهم لو صوتوا بنعم فسوف يحصلون بالمجان على بطاقات هوية وأيضا فرص في الذهاب إلى الحج. فالعبرة أن الحكومة مارست دعاية إعلامية كبيرة وضغطا معنويا على الأفراد وأثرت على نتيجة الاستفتاء.

ماذا عن النزاهة والشفافية ؟

لا نحتاج إلى قول الكثير في هذا الشأن، فرغم أن اختيار لا أو نعم لا يضر الحكومة بشيء بل فقط تدفعها إلى إعداد مشروع جديد إلا أنها اختارت اللون الأبيض لورقة نعم، واللون الاسود لورقة لا، وذهبت الدعاية إلى قوف بعض السياسين » من يختار الأسود فهو اسود القلب ولا يحب بلاده.. وقال بعض رجال الدين  » البياض خير » وأغلب القراء هنا شاهدوا الصناديق التي كانت تملئ بالأوراق البيضاء من قبل شخص واحد هو المسؤول عن عملية الاختيار، كما رأيتهم بعيونكم مشاركة أطفال دون سن البلوغ في هذه العملية.

خلاصة

الدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة، وهو الذي ينظم نظام الحكم وأسس الدولة وتشكل هيئاتها، وأيضا حقوق وحريات الأفراد. لذا يجب العناية به ووضعه بأفضل الطرق، ولا شكّ أن طريقة الاستفتاء هو من أكثر الطرق ديمقراطية في وضع الدساتير إلا أن الأمور في إفريقيا مختلفة دائما.وأعتقد أن الاستفتاء الدستوري الذي أجري في نهايات سنة 2023 في جمهورية تشاد لتدخل البلاد في الجمهورية الخامسة لم تكن بالطريقة الصحيحة التي درسناها وشرحها لنا فقهاء القانون.

Quitter la version mobile